ثمانية أعوام على الإبادة.. أين يقف العالم من مأساة الروهينغا ومحاسبة الجناة؟
ثمانية أعوام على الإبادة.. أين يقف العالم من مأساة الروهينغا ومحاسبة الجناة؟
في الذكرى الثامنة لذروة الجرائم التي ارتُكبت ضد الروهينغا في ولاية أراكان، تعود القضية إلى الواجهة وقد اتسعت فجوة العدالة، وتفاقمت الكارثة الإنسانية داخل ميانمار وخارجها، يعيش أكثر من مليون لاجئ اليوم في مخيمات مكتظة في بنغلاديش، في حين بقي نحو 600 ألف شخص داخل ميانمار تحت قيود وقائع اضطهاد ممنهجة، وعلى الرغم من تراكم الأدلة، فإن المساءلة الشاملة لا تزال بعيدة، في حين يتدهور التمويل الإنساني وتتزايد المخاطر على الأطفال والنساء.
هذا المشهد تصفه منظمات أممية وحقوقية دولية (مفوضية حقوق الإنسان وهيومن رايتش ووتش) بأنه استمرار لحلقة الإفلات من العقاب، وتطالب بقرارات قانونية وسياسية أكثر حزماً لوقف الانتهاكات ومعالجة الأسباب الجذرية للأزمة.
في بيان مشترك بمناسبة الذكرى الثامنة، حذّرت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومعهما عشرات الهيئات الدولية والروهينغية من استمرار الإفلات من العقاب، ودعت إلى الاعتراف الكامل بالروهينغا بوصفهم مواطنين، وإلى حماية اللاجئين وضمان عدم إعادتهم قسراً إلى ميانمار، كما طالب البيان أيضاً بإحالة الوضع في ميانمار فوراً إلى المحكمة الجنائية الدولية، واستخدام الولاية القضائية العالمية لملاحقة المسؤولين عن الجرائم وفق القانون الدولي.
أرقام تصف الكارثة
تُظهر آخر تحديثات وكالات الأمم المتحدة أن عدد لاجئي الروهينغا المسجلين في بنغلاديش تجاوز 1.14 مليون شخص حتى نهاية يوليو 2025، بينهم أكثر من 1.11 مليون في كوكس بازار وقرابة 37 ألفاً على جزيرة بهاسان شار، مع تسجيل موجات وصول جديدة منذ منتصف 2024، وهذه الأرقام تتقاطع مع تحذيرات منظمات حقوقية من نزوح إضافي بفعل تصاعد القتال في أراكان، كما أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن مآسي الطريق البحري تتفاقم، وقدرت في مايو 2025 وفاة أو فقدان 427 لاجئاً في حادثتين منفصلتين في خليج البنغال.
أطلقت اليونيسف تحذيراً في مايو 2025 أن تعليم نحو 230 ألف طفل روهينغي مهدد بسبب فجوة التمويل، وتحدثت منظمات إنسانية عن إغلاق آلاف مراكز التعلم في المخيمات وما يترتب عليه من ارتفاع في مخاطر الزواج المبكر وعمل الأطفال، وهذه التطورات لا تقف عند حدود التعليم، إذ ينعكس الشح التمويني على الغذاء والصحة والحماية، ما يزيد هشاشة الأسر ويفاقم اعتمادها على استراتيجيات سلبية للبقاء، وفق منظمة "اليونيسيف".
داخل ميانمار واقع يتدهور
في ولاية أراكان، وثقت تقارير حديثة لهيومن رايتس ووتش نمطاً من الانتهاكات الجسيمة ضد الروهينغا من جانب الجيش والميليشيات الحليفة، وكذلك من قبل جيش أراكان الذي عزز سيطرته في مناطق واسعة، وتشير المعطيات إلى تسجيل 120 ألف وافد جديد منذ مايو 2024، مع تقديرات بأن يصل العدد الفعلي للنازحين والفارين إلى ما يقرب من 200 ألف منذ أواخر 2023، في حين يرزح من بقي في الداخل تحت قيود الحركة والوصول للمساعدات والاعتقال التعسفي والهجمات المتكررة.
على المستوى القضائي، واصلت محكمة العدل الدولية نظر الدعوى التي رفعتها غامبيا ضد ميانمار بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة والمعاقبة عليها، ومنذ يناير 2020 فرضت المحكمة تدابير مؤقتة لحماية الروهينغا، وتوالت لاحقاً تدخلات دول صديقة للمحكمة دعماً للإجراءات، مع تحديثات في يوليو 2025 حول طلبات التدخل ومراحل النظر المقبلة.
موازاةً لذلك، يواصل فريق آلية التحقيق المستقلة لميانمار جمع الأدلة القابلة للاستخدام قضائياً أمام هيئات دولية ووطنية، وعلى المسار الجنائي الفردي، يتابع مكتب ادعاء المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً يركز على جرائم الترحيل والاضطهاد ذات الصلة بعبور الحدود إلى بنغلاديش، وقد طُلبت مذكرات توقيف بحق مسؤولين في المجلس العسكري، في خطوة تُعد فارقة إذا أُقرت قضائياً.
أسباب عميقة للاقتلاع
جذور المأساة تنغرس في سياسات نزع المواطنة التي كرّسها قانون الجنسية لعام 1982، والذي جرّد الروهينغا من وضعهم القانوني وحقوقهم الأساسية، ما جعلهم إحدى أكبر جماعات عديمي الجنسية في العالم، وهذا الحرمان البنيوي ترافق مع دورات من العنف والتمييز والقيود على الحركة والعمل والزواج، قبل أن ينفجر المشهد على نطاق واسع عام 2017 مع عمليات حرق وقتل واغتصاب وهدم قرى وثقتها بعثة تقصي الحقائق الدولية باعتبارها تصل إلى مستوى الجرائم الأشد خطورة بموجب القانون الدولي.
بنغلاديش، التي تستضيف أكبر تجمع للاجئين الروهينغا في العالم، حذرت في الذكرى السنوية هذا العام من إنهاك الموارد الوطنية وضغط هائل على الاقتصاد والبنية والخدمات في مخيم كوكس بازار، ومع تراجع التمويل، تقلصت قدرة الوكالات على تلبية الاحتياجات الأساسية، في حين بقيت مسارات العودة الآمنة والمستدامة مسدودة بفعل غياب ضمانات الحقوق والأمن داخل ميانمار، وعلى المستوى الإقليمي، تتكرر الرحلات البحرية الخطرة نحو سواحل جنوب شرق آسيا، وتتعثر الاستجابات المنسقة بين الدول الساحلية، ما يفاقم احتمالات الوفيات والانتهاكات على الطرق البحرية.
توصيات حقوقية وإنسانية
تتلاقى توصيات المنظمات الحقوقية والإنسانية على جملة مطالب عملية منها إنهاء الإفلات من العقاب عبر دعم مسارات العدالة أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وتوسيع نطاق الولاية القضائية العالمية وطنياً، وفرض حظر صارم على الأسلحة والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج للمجلس العسكري، وتأمين تمويل طارئ ومستدام لبرامج الغذاء والصحة والتعليم والحماية في المخيمات، وبلورة استجابة إقليمية لحماية الأرواح في البحر تشمل البحث والإنقاذ وإنزالاً آمناً وعدم الإعادة القسرية، كما تشدد على ضرورة الاعتراف القانوني بالروهينغا ورفع القيود التمييزية وإتاحة وصول غير مقيد للمساعدات في أراكان، مع إشراك ممثلي المجتمع الروهينغي، بمن فيهم النساء والشباب، في أي حوارات دولية حول مستقبلهم وفق موقع "ريليف ويب".
منذ سبعينيات القرن الماضي توالت موجات نزوح للروهينغا إلى بنغلاديش، لكن نقطة التحول الكبرى جاءت في أغسطس 2017 حين أطلق الجيش عملية واسعة استُخدمت فيها القوة المفرطة وأُحرقت قرى بكاملها، ما أجبر أكثر من 700 ألف شخص على الفرار خلال أشهر، وفي أعقاب ذلك، خلصت بعثة تقصي الحقائق الأممية إلى وجود أدلة معقولة على جرائم تصل إلى حد الإبادة والجرائم ضد الإنسانية، لتبدأ سلسلة مسارات قانونية دولية، وتعثرت محاولات الإعادة التي جرت لاحقاً بسبب غياب الضمانات الأمنية والقانونية، فيما أدى انقلاب 2021 والحرب الأهلية المتصاعدة إلى تعقيد المشهد وإغلاق نافذة العودة الطوعية الآمنة.